أبو سفيان بعد إسلامه :
وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله بالبيت ولما رأى أبو سفيان الناس يطأون عقب رسول الله صلى الله عليه وآله قال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل ! فضرب رسول الله في صدره ثم قال : إذا يخزيك الله ، فقال : أتوب إلى الله وأستغفر الله والله ما تفوهت به إلا شيئا حدثت به نفسي .
وقال مرة أخرى في نفسه : ما أدري بما يغلبنا محمد ؟ ! فضرب ظهره وقال : بالله يغلبك . فقال أبو سفيان : أشهد أنك رسول الله ( 43 ) .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حنين لحرب هوازن ( * ) ، وخرج معه جماعة من قريش .
قال المقريزي ( ص 405 ) : " وكان قد خرج رجال مكة على غير دين ينظرون على من تكون الدائرة فيصيبون من الغنائم ، منهم أبو سفيان بن حرب ومعه معاوية بن أبي سفيان خرج ومعه الأزلام في كنانته وكان يسير في
|
- ج 1 ص 290 -
|
أثر العسكر ، كلما مر بترس ساقط أو رمح أو متاع حمله حتى أوقر جمله " ، ولما انهزم المسلمون في أول الحرب ، تكلم نفر من قريش في ذلك كما ذكره ابن هشام وقال ( 44 ) : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الظغن ( * ) فقال أبو سفيان بن حرب : " لا تنتهي هزيمتهم دون البحر " وإن الأزلام لمعه في كنانته .
وقال غيره : " ألآن بطل السحر " اليعقوبي 2 / 47 .
ثم انتصر رسول الله ، وأعطى المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين مائة بعير يتألفهم ، وأعطى أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية من الإبل مائة مائة ، ومن الفضة أربعين أوقية ، فقال أبو سفيان : والله إنك لكريم ، فداك أبي وأمي ، حاربتك فلنعم المحارب كنت ، ولقد سالمتك فنعم المسالم ، فعتب على ذلك الأنصار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : إني تألفت بهم قومهم ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ( 45 ) .
دخل أبو سفيان في الإسلام ، غير أن المسلمين لم ينسوا مواقفه منهم ، فكانوا لا ينظرون إليه ، ولا يقاعدونه ، على ما رواه مسلم في صحيحه ( 46 )
وروى أيضا أن أبا سفيان أتى على سلمان ، وصهيب ، وبلال في نفر ، فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . قال : فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وآله ، فأخبره ، فقال : يا أبا بكر ! لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك . فأتاهم أبو بكر
|
- ج 1 ص 291 -
|
فقال : يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي ( 47 ) .
كان ذلك في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله .
أما في عصر الخليفتين فكان ما ذكره ابن عساكر ، وقال ( 48 ) : إن أبا بكر أغلظ يوما في الكلام لأبي سفيان ، فقال له أبو قحافة : يا أبا بكر ! أتقول هذه المقالة لأبي سفيان ؟ فقال له : يا أبه ! إن الله رفع بالإسلام بيوتا ، ووضع بيوتا ، وكان بيتي في ما رفع ، وبيت أبي سفيان في ما وضع .
|
- ج 1 ص 292 -
|
وروى أن عمر بن الخطاب قدم مكة ، فقالوا له : إن أبا سفيان ابتنى دارا ، فألقى الحجارة فحمل علينا السيل ، فانطلق معهم عمر ، وحمل الحجارة على كتف أبي سفيان ، فرفع عمر يده وقال : الحمد لله الذي آمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعني . وروى أن عمر اجتاز في سكك مكة ، وأمرهم أن يقموا أفنيتهم ، ثم اجتاز بعد ذلك فرأى الفناء كما كان ، فعلا أبا سفيان بالدرة بين أذنيه ، فضربه ، فسمعت هند فقالت : أبصر به ، أما والله لرب يوم لو ضربته لاقشعر بك بطن مكة ، فقال عمر : صدقت ولكن الله رفع بالإسلام أقواما ووضع به آخرين .
هكذا أذل الإسلام أبا سفيان وأعز غيره ، فكان في نفسه على الإسلام والمسلمين ما ظهر على فلتات لسانه ، ومن ذلك ما رواه جمع من المؤرخين عن ابن الزبير أنه قال : كنت مع أبي باليرموك ، وأنا صبي لا أقاتل ، فلما اقتتل الناس نظرت إلى ناس على تل لا يقاتلون ، فركبت وذهبت إليهم وإذا أبو سفيان بن حرب ومشيخة من قريش من مهاجرة الفتح ، فرأوني حدثا ، فلم يتقوني ، قال : فجعلوا والله إذا مالت المسلمون وركبتهم الروم يقولون : " إيه بني الاصفر " فإذا مالت الروم وركبتهم المسلمون قالوا : " ويح بني الاصفر " فلما هزم الله الروم أخبرت أبي ، فضحك ، فقال : قاتلهم الله أبوا إلا ضغنا ، لنحن خير لهم من الروم ( 49 ) .
وفي رواية أخرى عنه : فكانت الروم إذا هزمت المسلمين ، قال أبو سفيان : " إيه بني الاصفر " فإذا كشفهم المسلمون ، قال أبو سفيان :
وبنو الاصفر الملوك ملوك ال * روم لم يبق منهم مذكور
|
- ج 1 ص 293 -
|
فلما فتح الله عليهم ، وحدثت به أبي ، أخذ بيدي يطوف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : حدثهم ، فأحدثهم ، فيعجبون من نفاقه ( 50 ) .
وعندما ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان ، فقال : يا معشر بني أمية ! إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها ، وقد صارت إليكم فتلقفوها بينكم تلقف الصبي الكرة ، فوالله ما من جنة ولا نار ، فصاح به عثمان : " قم عني ، فعل الله بك وفعل " ( 51 ) .
وفي رواية أخرى أنه قال : يا بني أمية ! تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة ، فانتهره عثمان وساءه ما قال ( 52 ) .
وفي رواية أخرى : دخل أبو سفيان على عثمان بعد أن كف بصره ، فقال : هل علينا من عين ؟ قال : لا . فقال : يا عثمان ! إن الأمر أمر عالمية ، والملك ملك جاهلية ، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية ( 53 ) .
وفي هذا العصر كان ما روي عنه : أنه مر بقبر حمزة ، وضربه برجله وقال : يا أبا عمارة ! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس صار في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ( 54 ) .
أدرك أبو سفيان أمنيته بولاية عثمان على الخلافة ، وتوفي في عصره ، سنة إحدى أو اثنتين ، أو ثلاث ، أو أربع وثلاثين ، وقد نيف على الثمانين أو التسعين . أما هند ، فكانت قد توفيت قبله في عصر الخليفة عمر ( 55 ) .
|
No comments:
Post a Comment