Thursday, September 3, 2015

قال فأصبروا حتى تلقوه


فيما وقع بين معاوية وابن عباس

عن سليم بن قيس قال : قدم معاوية بن أبي سفيان حاجاً في خلافته فأستقبله أهل   المدينة فنظر فأذا الذين استقبلوه ما منهم قرشي فلما نزل قال : ما فعلت الأنصار وما بالهم لم يستقبلوني فقيل له فأنهم محتاجون ليس لديهم دواب فقال معاوية : وأين نواضحهم ؟ فقال قيس بن سعد بن عباده وكان سيد ألأنصار وابن سيدها ، أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله (ص) حين ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون فسكت معاوية فقال قيس : أما أن رسول الله (ص) عهد ألينا إنا سنلقي بعد أثرة قال : معاوية فما أمركم به ؟ قال : أمرنا أن نصبر حتى نلقاه قال فأصبروا حتى تلقوه ثم أن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه قاموا غير عبيد الله بن عباس فقال له : يابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة إني قاتلتكم بصفين ، فلا تجد من ذلك يابن عباس فان ابن عمي عثمان قتل مظلوماً قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً قال : أن عمر قتله كافر ، قال ابن عباس فمن قتل عثمان ؟ قال قتله المسلمون قال : فذاك ادحض لحجتك قال : فانا كتبنا في الأفاق ننهي عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك فقال : يامعاوية! أتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال  لا  قال : أتنهانا عن تأويله ؟  قال نعم قال : فتقرأ ولا تسأل   عما عني الله به .
ثم قال : فأيهما اوجب علينا قرائته أو العمل به ؟ قال : كيف العمل به ولا نعلم ما عني الله به قال سل عن ذلك ما يتأوله على غير ماتتأوله أنت وأهل بيتك قال : أنما نزل القرآن على أهل بيتي وليس على بيت  آل أبي سفيان يامعاوية أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام فأن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف ، قال أقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئاً مما انزل الله فيكم وأروا وما سوى ذلك قال : فأن الله تعالى يقول في القرآن : (( يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله ألا ان يتم نوره ولو كره الكافرون )) قال : يابن عباس أربع أي أرفق على نفسك وكف لسانك إن كنت لابد فاعلا فليكن ذلك سراً لا يسمعه أحد منك علانية ثم رجع إلى بيته فبعث أليه بمئة ألف درهم .
 ونادي منادي معاوية أنى برئت الذمة ممن روي حديثاً في مناقب علي وفضل أهل بيته وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة والبصرة لكثرة من بها من الشيعة فأستعمل زياد بن أبيه ، وضم أليه العراقين الكوفة والبصرة فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم في جذوع النخل ، وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها احد معروف مشهور فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس ، أو طريد أو شريد ،  وكتب معاوية إلى جميع عماله في الأمصار أن  لا تجيزوا لأحد في شيعة علي وأهل بيته شهادة وأنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم  وأكرموهم وأكتبوا ممن يروي من مناقبه بأسمه وأسم أبيه وقبيلته ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان وافتعلوها  لما كان يبعث أليهم في الصلات والخلع والقطايع من العرب والموالي فكثرت ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في الأموال والدنيا فليس يجيء أحد من مصر من الأمصار فيروى في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب أسمه وقرب وأجيز  فلبثوا بذلك ما شاء الله ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر فأدعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه فأن ذلك أحب ألينا ، وأقر لأعيننا وادحض لحجة أهل البيت وأشد عليهم ، فقرأ كل أمير وكل قاض كتابه على الناس فأخذ الناس في الروايات في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة ، وكل مسجد زوراً والقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن حتى علموه بناتهم ونسائهم وحشمهم فلبثوا في ذلك ما شاء الله وكتب زياد ابن أبيه أليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى رأيه فكتب أليه معاوية ؛ أقتل كل من على دين علي وعلى رأيه فقتلهم ومثل بهم , وكتب معاوية إلى جميع البلدان أنظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان , وكتب كتاباً أخر أنظروا من قبلكم من شيعة علي وأتهمتموه بحبه فأقتلوه , وأن لم تقم عليه البينة فخذوهم على التهمة والظنة والشبهة تحت  كل حجر حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه حتى كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر , كان الرجل غير الشيعي يكرم ويعظم ولا يتعرض له بمكروه , والرجل من الشيعة لايأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيما البصرة والكوفة , حتى لو أن أحداً منهم أراد أن يلقي سراً إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه ومملوكه ولا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه ثم لايزداد الأمر إلاشدة حتى كثر وظهرت أحاديثهم الكاذبة ونشأ عليهم الصبيان يتعلمون ذلك , وكان اشد الناس في ذلك القراء المراؤن المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وأولدوها , فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم ويصيبون بذلك الأموال , والقطايع والمنازل حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقاً وصدقاً , فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها , وابغضوا من ردها أو شك فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين لا يستحلون الافتعال لمثلها فقبلوها وهم يرون أنها حق ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعله لأعرضوا عن روايتها , ولم يدينوا بها ولم يبغضوا من خالفها فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلاً , والباطل حقاً , والكذب صدقاً , والصدق كذباً

No comments:

Post a Comment